Thursday, September 13, 2012

رسالة الى قريتى الحبيبة -1



المظاهرات تتواصل لليوم الثالث أمام السفارة الأمريكية، انزال العلم وحرقة ورفع شعار التوحيد مكانه، قتل السفير الأمريكى فى ليبيا من أجل فيلم أو رسم أو كتاب أو أيا كان .. يخيل إلى يا صديقى أننا مررنا بهذا الموقف من قبل، نعم منذ أعوام قليلة فى أزمة الدنمرك وستتكرر بعدها، ستكرر كثيرا، ثق فى هذا ياصديقى، كنت مخطئا عندما ظننت أننا نمضى للأمام .. لم يعد السكوت ممكنا وأنا أرى أهلى يساقون كالخراف فى معارك وهمية، أتألم بشدة وهم يتخبطون فى الظلام بعد أن أعمتهم الكراهية وخيم الظلام على عقولهم وقلوبهم.

كثيرا ما سألت نفسى لماذا هذه الحساسية الشديدة دوما من جانب بنى وطنى المسلمين لأى نقد لدينهم ونبيهم خلاف أصحاب المعتقدات الأخرى الذين يتعاملون مع النقد بصورة مختلفة، هل هم متدينون أكثر من غيرهم؟ فلماذا لا ينعكس هذا على سلوكياتهم اليومية؟ هل هم ضيقو الأفق محدودو العقل كالأطفال ينفعلون سريعا، أطفال مسلحين بالقنابل والرشاشات، لا أعتقد هذا فأنا أعرف ربما المئات شخصيا من المتدينين والكثير منهم يتمتع بعقل راجح .. السبب فى رأيى هو التدليل، نعم التدليل، المسلم فى مجتمعنا العربى بما أنه يعيش وسط أغلبية مسلمة فحياته كلها قضاها وسط المديح للنبى والصحابة ولعظمة القران واعجازه والأصوات القليلة التى تخالف السائد اما يتم اسكاتها سريعا او وصمها بأبشع التهم فتخفت تدريجيا فى مجتمع يصلح كـTest case  لدراسى علم الاجتماع (علم الاجتماع اللى بجد مش بتاع الجامعات المصرية) من كثرة أمراضه الاجتماعية، الشك فى مجتمعنا ليس فى أصل الدين لكن الخلاف غالبا حول صحة بعض الاحاديث وما الى ذلك من الامور الهامشية .. الكثير يقضى سنوات طويلة قبل ان يقابل أحدا ينتمى لديانة أخرى، فيستطيع بالكاد أن يصدق أن هناك بشريا اخر لا يعتقد فى نبوة رسوله، زميلى فى المدرسة الابتدائية قال لى يوما أنه لاحظ أن المسيحيين كلهم عندهم لغد تحت رقبتهم، كانت هناك تلك الرغبة الحارقة فى أن يكتشف شيئا مختلف فيهم، لا يريد أن يصدق أن ملامحهم مثله تماما، ربما الخنزير الذى يأكلون لحمه يغير اذا من رائحتهم؟ .. بينما المصرى غير المسلم يسمع يوميا نقدا وتشكيكا وطعنا يصل لحد الاهانة، تعود على هذا من صغره وكون مضاداته النفسية التى تحمى معتقده، المسيحى فى الغرب فى العصور الحديثة يفعل الشىء نفسه وربما الهندوسى والمسلم والبوذى هناك أيضا .. المجتمع المغلق الذى يكره الخلاف ويرفض الخروج من كهف أفلاطون هو السبب الأهم فى هذه الحالة التى اراها فريدة.

هناك حقائق لابد أن يعرفها الجميع، ربما تكون قاسية على البعض وربما تفاجئك يا صديقى لكنها أصبحت ضرورية، دينك الذى تفتخر به أيا كان وثنيا أو هندوسيا أو اسلاميا او مسيحيا ومعابدك وكتبك وأنبياءك وآلهتك لا تمثل أى شىء عند مليارات البشر على سطح هذا الكوكب بل هى مثار سخريتهم (لاحظ ياصديقى كيف تتحدث عن عابدى الأصنام والأبقار)، هى حقيقة تبدو بسيطة جدا لكن يبدو أن الكثيرين لا يعرفونها جيدا .. فى الحالة المصرية  ثنائية مسلم-مسيحى يجب أن نعرف ونصارح بعضنا البعض أن المسيحى (by definition) يعتبر نبى الاسلام شخصا عاديا، تاجرا عاش فى شبه الجزيرة واستطاع بذكائه تكوين بذرة امبراطورية حكمت العالم المتحضر لقرون، المسيحى لا يعترف بالقران ويعتبره مثل اى كتاب اخر، وأى شخص يقول لك نحن نحترم كل الأنبياء فهو يستخدم دبلوماسيته، وبالمثل المسلم يرى المسيحية تم تحريفها وأن رسل المسيحية ماهم الا مجموعة من الأفاقين النصابين والا فلماذا نزل الاسلام اساسا ومصطلح الديانات السماوية لا وجود له أساسا لأن الدين عند الله الاسلام .. هذه هى الحقيقة الصريحة الجافة وأمامنا أحد حلين، اما أن يدمروا بعضهم بعضا بالقنابل النووية، أو أن يتعلما العيش سويا كما تفعل الكائنات الطبيعية فى باقى العالم، لا حل ثالث هنالك طالما أنه لا يوجد أى طريقة علمية لاثبات صحة أساطير أحد الفريقين .. فى الكيمياء مثلا اذا قلت أن جزىء الصوديوم عندما يضاف الى الكلورين يتكون كلوريد الصوديوم وخصائصه كذا، وقلت أنت بل يتكون حمض الكبريتيك يكون الحل سهلا، نذهب الى المعمل ونقوم بتجربة علمية ونرى النتيجة ومن كان على خطأ سيعترف بخطأه وتمضى البشرية فى طريقها مستفيدة بالتجربة، أما فى الحالة الدينية فاثبات اى شىء مستحيل، هل صلب أم لم يصلب؟ لو ظللنا نتحاجج قرونا لن نصل لشىء لأن لا أنا ولا أنت رأينا ولا يوجد توثيق باستثناء بعض الحروف على الاوراق وقس على هذا باقى المناظرات، وربما هذا هو السبب فى الحروب الدينية على مر القرون، عندما تقرأ عن الحروب الدموية التى استمرت لقرون بين الكاثوليك والبروتستانت فى أوروبا حول خلافات تبدو مضحة لمن يأخذ خطوة واحدة للوراء ويرى الصورة الكاملة، وهو نفس ما تمضى اليه منطقتنا باصرار غريب بالمناسبة .. اللجوء للعقل والمنطق فى الترجيح بين الأديان سيطرحها أرضا من الجولة الأولى، ولم أستطع أيضا أن أفهم قط العلاقة بين الطعن فى معتقد الاخر وكيف أن هذا يدعم موقف صاحب المعتقد الأول، تأمل معى هذا المنطق، اذا كان المعتقد (أ) خطأ فالمعتقد (ب) هو الصواب! المنطق نفسه يستعمل يوميا فى الصراع بين أنصار نظرية الخلق وعلماء التطور، اذا كانت هناك حلقة وسيطة مفقودة فى التطور او ان كان هناك شك فى نظرية بداية الكون فهذا معناه بالضرورة صحة النظرية الاولى.

هناك حقائق أخرى مزعجة .. الأفلام التى تسخر من فكرة الأديان الابراهيمية عموما ومن كل المعتقدات موجودة على الانترنت بالالاف ، وفيلم اليوتيوب ضعيف الانتاج هذا بامكانى أن أجد عشرة مثله بسهولة بعد بحث قصير يستغرق دقئاق معدودة، بمنتهى البساطة يمكننى أن أنشر واحد منهم كل شهرين وأحط خمسة جنيه فى يد واحد من شيوخ القنوات الدينية فيعرضه على الملايين ونوجه الغوغاء فى اى اتجاه نراه، هولندا بلجيكا كوستاريكا الكونجو الديمقراطية، المجتمع يهىء الفرصة لأى شخص أن يفعل مايريد .. بلاش، طفل الثامنة يمكنه تصوير فيلم بتليفونه يسخر فيه من كل ماتتخيل من ثوابتك فماذا أنت فاعل؟ ردك بالاعتداء والسباب عموما دليل على ضعف موقفك وان انكرت ذلك (هل ضعف الموقف هو ما يؤدى الى حالة الغليان هذه؟) .. حقيقة اخرى، الغرب لن يفرط فى الحرية مهما حدث، لانه انتزعها انتزاعا بعد عصور الظلام فهو يعض عليها بالنواجذ، حرية الفكر والتعبير هى أثمن ما توصل اليه ولن يتركه لأنه يضايقك، الاعتداء على الافراد فعلا ولفظا مجرم قانونا (دولة القانون أيضا أحد الاختراعات التى لم تصلنا بعد) وخطاب العنصرية كذلك لكن نقاش الأفكار لن يمنعه أحد، نقطة ومن أول السطر.

لا أخاطب هنا كل الناس فأنا أثق فى رجاحة عقلك، الاختيار الذى وضعته أمامك منذ قليل سيجيب عليه الكثيرين بأنهم يفضلون أن نتقاتل حتى نفنى جميعا كأغبياء .. أثق بك وأتمنى أن نستطيع اقناع اهل قريتنا برغم كل شىء، من يريد الحياة فى القبور التى صنعها الأجداد فليعش هكذا، لكن ليس من حقه أن يجبر الاخرين على نفس الشىء، الموضوع بهذه البساطة، عش فى فقاعتك واستمتع باساطيرك ياصديقى واستمد منها الالهام والتعزية واحلم بحياة أخرى غير هذه التى سرقوها منك، حقك، لكن لا تجبرنى على الشىء نفسه، ولا تحرمنى حقى فى أن أرى أن كل ماتعيش فيه وهم ولا تسلبنى حرية التعبير عن رأيى مثلما تمتلكها أنك وتهاجم مخالفيك ليل نهار .. أرجو أن تخبرنى ما وجه الصعوبة فى ذلك؟

ربما تكون رسالتى قد صدمتك برغم أن مفاهيمها سهلة وبسيطة للغاية، لم أدخل فى أى تفاصيل بعد .. اقرأها مرة أخرى بعد أن تهدأ وفكر ببطء وبهدوء وتامل وجهة النظر الأخرى.

صديقك (ك)
13-9-2012